الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{ومن أضل ممن يدعومن دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين}..وقد كان بعضهم يتخذ الأصنام الهة. إما لذاتها وإما باعتبارها تماثيل للملائكة. وبعضهم يتخذ الأشجار. وبعضهم يتخذ الملائكة مباشرة أو الشيطان.. وكلها لا تستجيب لداعيها أصلًا. أولا تستجيب له استجابة نافعة. فالأحجار والأشجار لا تستجيب. والملائكة لا يستجيبون للمشركين. والشيئاطين لا تستجيب إلا بالوسوسة والإضلال. ثم إذا كان يوم القيامة وحشر الناس إلى ربهم. تبرأ هؤلاء وهؤلاء من عبادهم الضالين. حتى الشيطان كما جاء في سورة أخرى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم} وهكذا يقفهم القرآن وجهًا لوجه أمام حقيقة دعواهم ومالها في الدنيا والآخرة. بعدما وقفهم أمام الحقيقة الكونية التي تنكر هذه الدعوى وترفضها. وفي كلتا الحالتين تبرز الحقيقة الثابتة. حقيقة الوحدانية التي ينطق بها كتاب الوجود. وتوجبها مصلحة المشركين أنفسهم. ويلزمهم بها النظر إلى مالهم في الدنيا والآخرة.وإذا كان القرآن يندد بضلال من يدعون من دون الله الهة لا يستجيبون لهم إلى يوم القيامة؛ وكان هذا يعني المعبودات التاريخية التي عرفتها الجماعات البشرية عند نزول هذا القرآن. فإن النص أوسع مدلولا وأطو ل أمدًا من ذلك الواقع التاريخي. فمن أضل ممن يدعومن دون الله أحدًا في أي زمان وفي أي مكان؟ وكل أحد- كائنا من كان- لا يستجيب بشيء لمن يدعوه. ولا يملك أن يستجيب. وليس هناك إلا الله فعال لما يريد.. إن الشرك ليس مقصورًا على صوره الساذجة التي عرفها المشركون القدامى.فكم من مشركين يشركون مع الله ذوي سلطان. أوذوي جاه. أوذوي مال. ويرجون فيهم. ويتوجهون إليهم بالدعاء. وكلهم أعجز من أن يستجيبوا لدعاتهم استجابة حقيقية. وكلهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا. ودعاؤهم شرك. والرجاء فيهم شرك.. والخوف منهم شرك. ولكنه شرك خفي يزأوله الكثيرون. وهم لا يشعرون.ثم يمضي السياق يتحدث عن موقفهم من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما جاءهم به من الحق. بعدما تحدث عن واقعهم وتهافت عقيدة الشرك. ويقرر قضية الوحي كما قرر قضية التوحيد:{وإذ تتلى عليم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئًا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدًا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم قل ما كنت بدعًا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ وما أنا إلا نذير مبين قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين وقال الذين كفروا للذين آمنوا لوكان خيرًا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانًا عربيًّا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين}..يبدأ الحديث عن قضية الوحي بترذيل مقولتهم عنه. واستنكار استقبالهم له. وهو آيات {بينات} لا لبس فيها ولا غموض. ولا شبهة فيها ولا ريبة. ثم إنه {الحق} الذي لا مرية فيه. وهم يقولون لتلك الآيات و لهذا الحق {هذا سحر مبين}.. وشتان بين الحق والسحر. وهما لا يختلطان ولا يشتبهان.وهكذا يبدأ الهجوم منذ البدء على تقولهم الظالم وادعائهم القبيح. الذي لا يستند إلى شبهة ولا ظل من دليل.ثم يرتقي في إنكار مقولتهم الآخرى..{افتراه}.. فلا يسوقها في صيغة الخبر بل في صيغة الاستفهام. كأن هذا القول لا يمكن أن يقال. وبعيد أن يقال: {أم يقولون افتراه}..فيبلغ بهم التطأول أن يقولوا هذه المقولة التي لا تخطر على بال؟!ويلقن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يرد عليهم بأدب النبوة. الذي ينم عن حقيقة شعوره بربه. وشعوره بوظيفته. وشعوره بحقيقة القوى والقيم في هذا الوجود كله:{قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئًا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدًا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم}..قل لهم: كيف أفتريه؟ و لحساب من أفتريه؟ ولاي هدف أفتريه؟ أأفتريه لتؤمنوا بي وتتبعوني؟ ولكن: {إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئًا}.. وهو اخذني بما افتريت. فماذا يجديني أن تكونوا معي وأن تتبعوني.وأنتم أعجز من أن تحموني من الله حين يأخذني بافترائي. وأضعف من أن تنصروني؟!وهوالرد اللائق بنبي. يتلقى من ربه. ولا يرى في الوجود غيره. ولا يعرف قوة غير قوته. وهو رد كذلك منطقي يدركه المخاطبون به لوحكموا عقولهم فيه. يجيبهم به. ثم يترك أمرهم لله: {هوأعلم بما تفيضون فيه}.. من القول والفعل. وهو يجزيكم بما يعلمه من أمركم.{كفى به شهيدًا بيني وبينكم}.. يشهد ويقضي. وفي شهادته الكفاية وفي قضائه.{وهوالغفور الرحيم}.. وقد يرأف بكم. فيهديكم رحمة منه. ويغفر لكم ما كان من ضلالكم قبل الهدى والآيمان..رد فيه تحذير وترهيب. وفيه إطماع وتحضيض. يأخذ على القلب مسالكه. ويلمس أوتاره. ويشعر السامعين أن الأمر أجل من مقولاتهم الهازلة. وادعاءاتهم العابثة. وأنه في ضمير الداعية أكبر وأعمق مما يشعرون.ويمضي معهم في مناقشة القضية- قضية الوحي- من زاوية أخرى واقعية مشهودة. فماذا ينكرون من أمر الوحي والرسالة؛ ولم يعجلون بتهمة السحر أوتهمة الافتراء؟ وليس في الأمر غريب ولا عجيب:{قل ما كنتم بدعًا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ وما أنا إلا نذير مبين}..إنه- صلى الله عليه وسلم- ليس أول رسو ل. فقد سبقته الرسل. وأمره كأمرهم. وما كان بدعًا من الرسل. بشر يعلم الله أنه أهل للرسالة فيوحي إليه. فيصدع بما يؤمر. هذا هو جوهر الرسالة وطبيعتها.. والرسول حين يتصل قلبه لا يسأل ربه دليلًا. ولا يطلب لنفسه اختصاصًا. إنما يمضي في سبيله. يبلغ رسالة ربه. حسبما أوحى بها إليه: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ}.. فهولا يمضي في رسالته لأنه يعلم الغيب؛ أولأنه يطلع على ما يكون من شأنه وشأن قومه وشأن الرسالة التي يبشر بها. إنما هو يمضي وفق الإشارة وحسب التوجيه. واثقًا بربه. مستسلمًا لإرادته. مطيعًا لتوجيهه. يضع خطاه حيث قادها الله. والغيب أمامه مجهو ل. سره عند ربه. وهولا يتطلع إلى السر من وراء الستر لأن قلبه مطمئن. ولأن أدبه مع ربه ينهاه عن التطلع لغير ما فتح له. فهو واقف أبدًا عند حدوده وحدود وظيفته: {وما أنا إلا نذير مبين}..وإنه لأدب الواصلين. وإنها لطمأنينة العارفين. يتأسون فيها برسو ل الله- صلى الله عليه وسلم- فيمضون في دعوتهم لله. لا لأنهم يعرفون مالها. أو يعلمون مستقبلها. أو يملكون فيها قليلًا أوكثيرًا. ولكن لأن هذا واجبهم وكفى. وما يطلبون من ربهم برهانًا فبرهانهم في قلوبهم. وما يطلبون لأنفسهم خصوصية فخصوصيتهم أنه اختارهم. وما يتجاوزون الخط الدقيق الذي خطه لهم. ورسم لهم فيه مواقع أقدامهم على طو ل الطريق.ثم يواجههم بشاهد قريب. لشهادته قيمتها. لأنه من أهل الكتاب الذين يعرفون طبيعة التنزيل:{قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}..وقد تكون هذه واقعة حال. ويكون واحد أوأكثر من بني إسرائيل. عرف أن طبيعة هذا القرآن هي طبيعة الكتب المنزلة من عند الله. بحكم معرفته لطبيعة التوراة. فآمن. وقد وردت روايات أنها نزلت في عبد الله ابن سلام. لولا أن هذه السورة مكية وعبد الله بن سلام إنما أسلم في المدينة. وقد ورد كذلك أن هذه الآية مدنية توكيدًا لنزولها في شأن عبد الله- رضي الله عنه-. كما ورد أنها مكية وأنها لم تنزل فيه.وقد تكون إشارة إلى واقعة أخرى في مكة نفسها. فقد امن بعض أهل الكتاب على قلة في العهد المكي. وكان لإيمانهم. وهم أهل كتاب. قيمته وحجيته في وسط المشركين الأميين. ومن ثم نوه به القرآن في مواضع متعددة. وواجه به المشركين الذين كانوا يكذبون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.وهذا الأسلوب في الجدل: {قل أرأيتم إن كان من عند الله}. إلخ. يراد به زعزعة الإصرار والعناد في نفوس أهل مكة. وإثارة التخوف في نفوسهم والتحرج من المضي في التكذيب. ما دام أن هذا القرآن يحتمل أن يكون من عند الله حقًا كما يقول محمد. وفي هذه الحالة تكون العاقبة وخيمة. فأولى لهم أن يحتاطوا لهذا الفرض. الذي قد يصح. فيحل بهم كل ما ينذرهم به. ومن الأحوط إذن أن يتريثوا في التكذيب. وأن يتدبروا الأمر في حرص وفي حذر. قبل التعرض لتلك العاقبة الوخيمة. وبخاصة إذا أضيف إلى ذلك الاحتمال أن واحدًا أوأكثر من أهل الكتاب يشهد بأن من طبيعة الكتاب قبله؛ ويتبع هذا التذوق بالإيمان. بينما هم الذين جاء القرآن لهم. وبلغتهم. وعلى لسان رجل منهم. يستكبرون ويكفرون.. وهو ظلم بين وتجاوز للحق صارخ. يستحق النقمة من الله وإحباط الأعمال: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين}..و لقد سلك القرآن شتى السبل. واتبع شتى الأساليب. ليواجه شكوك القلب البشري. وانحرافاته وافاته؛ ويأخذ عليها المسالك؛ ويعالجها بكل أسلوب. وفي أساليب القرآن المتنوعة زاد للدعوة والدعاة إلى هذا الدين.. ومع اليقين الجازم بأن هذا القرآن من عند الله فقد استخدم أسلوب التشكيك لا أسلوب الجزم للغرض الذي أسلفنا. وهو واحد من أساليب الإقناع في بعض الأحوال..وبعد ذلك يمضي في استعراض مقولات المشركين عن هذا القرآن وعن هذا الدين؛ فيحكي اعتذارهم عن التكذيب به والإعراض عنه. اعتذار المستكبر المتعالى على المؤمنين:{وقال الذين كفروا للذين آمنوا لوكان خيرًا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم}..و لقد سارع إلى الإسلام وسبق إليه نفر من الفقراء والموالي في أول الأمر. فكان هذا مغمزًا في نظر الكبراء المستكبرين. وراحوا يقولون: لوكان هذا الدين خيرًا ما كان هؤلاء أعرف منا به. ولا أسبق منا إليه فنحن. في مكانتنا وسعة إدراكنا وحسن تقديرنا. أعرف بالخير من هؤلاء!والأمر ليس كذلك. فما كان يمنعهم عنه أنهم يشكون فيه أو يجهلون الحق الذي يقوم عليه. والخير الذي يحتويه. إنما كان هو الكبر عن الإذعان لمحمد- كما كانوا يقولون- وفقدان المراكز الاجتماعية. والمنافع الاقتصادية. كما كان هو الاعتزاز الأجوف بالآباء والأجداد وما كان عليه الآباء والأجداد. فأما الذين سارعوا إلى الإسلام وسبقوا إليه فلم تكن في نفوسهم تلك الحواجز التي منعت الكبراء والأشراف.إنه الهوى يتعاظم أهل الكبر أن يذعنوا للحق. وأن يستمعوا لصوت الفطرة. وأن يسلموا بالحجة. وهو الذي يملي عليهم العناد والإعراض. واختلاق المعاذير. والادعاء بالباطل على الحق وأهله. فهم لا يسلمون أبدًا أنهم مخطئون؛ وهم يجعلون من ذواتهم محورًا للحياة كلها يدورون حوله ويريدون أن يديروا حوله الحياة:{وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم}..طبعًا! فلا بد من عيب في الحق ما داموا لم يهتدوا به. ولم يذعنوا له. لابد من عيب في الحق لأنهم هم لا يجوز أن يخطئوا. وهم في نظر أنفسهم. أوفيما يريدون أن يوحوا به للجماهير. مقدسون معصومون لا يخطئون!ويختم هذه الجو لة في قضية الوحي والرسالة بالإشارة إلى كتاب موسى. وتصديق هذا القرآن له- كما سبقت الإشارة في شهادة الشاهد من بني إسرائيل:{ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانًا عربيًّا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين}.وقد كرر القرآن الإشارة إلى الصلة بين القرآن والكتب قبله. وبخاصة كتاب موسى. باعتبار أن كتاب عيسى تكملة وامتداد له. وأصل التشريع والعقيدة في التوراة. ومن ثم سمى كتاب موسى {إمامًا} ووصفه بأنه رحمة. وكل رسالة السماء رحمة للأرض ومن في الأرض. بكل معاني الرحمة في الدنيا والآخرة..{وهذا كتاب مصدق لسانًا عربيًّا}.. مصدق للأصل الأول الذي تقوم عليه الديانات كلها؛ و للمنهج الإلهي الذي تسلكه الديانات جميعها؛ و للاتجاه الأصيل الذي توجه البشرية إليه. لتتصل بربها الواحد الكريم.والإشارة إلى عروبته للامتنان على العرب. وتذكيرهم بنعمة الله عليهم. ورعايته لهم. وعنايته بهم؛ ومظهرها اختيارهم لهذه الرسالة. واختيار لغتهم لتتضمن هذا القرآن العظيم.ثم بيان لطبيعة الرسالة. و وظيفتها:{لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين}..وفي نهاية هذا الشوط الأول يصور له جزاء المحسنين. ويفسر لهم هذه البشرى التي يحملها إليهم القرآن الكريم. بشرطها. وهو الاعتراف بربوبية الله وحده والاستقامة على هذا الاعتقاد ومقتضياته:{إن الذين قالوا ربنا الله}. {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووضعتهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}.هذا الشوط يسير مع الفطرة في استقامتها وفي انحرافها. وفيما تنتهي إليه حين تستقيم وما تنتهي إليه حين تنحرف. ويبدأ بالوصية بالوالدين. وكثيرًا ما ترد هذه الوصية لاحقة للكلام عن العقيدة في الله أو مصاحبة لهذا الحديث. ذلك أن وشيجة الأبوة والبنوة هي أول وشيجة بعد وشيجة الآيمان في القوة والأهمية. وأولاها بالرعاية والتشريف. وفي هذا الاقتران دلالتان: أولاهما هي هذه. والثانية أن اصرة الآيمان هي الأولى وهي المقدمة. ثم تليها اصره الدم في أوثق صورها.وفي هذا الشوط نموذجان من الفطرة: في النموذج الأول تلتقي اصرة الآيمان واصرة الوالدين في طريقهما المستقيم المهتدي الواصل إلى الله. وفي الثاني تفترق اصرة النسب عن اصرة الآيمان. فلا تلتقيان. والنموذج الأول مصيره الجنة ونصيبه البشرى. والنموذج الثاني مصيره النار ونصيبه استحقاق العذاب. وبهذه المناسبة يعرض صورة العذاب في مشهد من مشاهد القيامة. يصور عاقبة الفسوق والاستكبار.{ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا}..فهي وصية لجنس الإنسان كله. قائم على أساس إنسانيته. بدون حاجة إلى أية صفة أخرى وراء كونه إنسانًا. وهي وصية بالإحسان مطلقة من كل شرط ومن كل قيد. فصفة الوالدية تقتضي هذا الإحسان بذاتها. بدون حاجة إلى أية صفة أخرى كذلك. وهي وصية صادرة من خالق الإنسان. وربما كانت خاصة بهذا الجنس أيضًا. فما يعرف في عالم الطير أو الحيوان أو الحشرات وما إليها أن صغارها مكلفة برعاية كبارها. والمشاهد الملحوظ هو فقط تكليف فطرة هذه الخلائق أن ترعى كبارها صغارها في بعض الأجناس. فهي وصية ربما كانت خاصة بجنس الإنسان.
|